حقوق الطفل في الإسلام
رداد بن عبدالله الرداد
دار الوطن
رداد بن عبدالله الرداد
دار الوطن
(1411 كلمة)
لقد جاءت شريعة الإسلام بكل ما يصلح أحوالنا ولم تترك صغيرة ولا كبيرة
إلا وأتت فيها بحكم وتوجيه.
جاءت شريعة الإسلام لإسعاد المجتمع، والأطفال من ضمن المجتمع فالحمد الله
الذي رزقك زوجة ولوداً، وجعل لك ذرية، فكم من رجل عقيم لا يولد له ولد، وكم من امرأة
كذلك، قال تعالى: {يهب لمن يشاء إنثاً ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكراناً
وإنثاً ويجعل من يشاء عقيماً} [الشورى:50،49].
ونحن في زمن - مع الأسف - غابت فيه الشريعة واندثر العلم وانتشر الجهل.
فإذا وُجد هذا الطفل ذكراً كان أو أنثى؛ كان له من الحقوق والواجبات ما
يضمن له صلاحه.
وإليك بعضاً مما جاءت به الشريعة:
1- التأذين في أذن المولود: ولعل سماع المولود هذا الأذان كما ذكر ابن
القيم حتى يكون أول ما يقرع مسامعه كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة
التي أول ما يدخل بها في الإسلام، مع ما فيها من هروب الشيطان من كلمات الأذان وينشأ
على هذا.
والأذان يكون في الأذن اليمنى. فعن أبي رافع قال: ( رأيت رسول الله أذن
في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة ) [رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي:
حسن صحيح، وحسنه الألباني بشواهده في الإرواء:159].
2- تحنيك المولود: والتحنيك هدي نبوي كريم شرع للمولود عقب
ولادته ومعناه: ( تليين التمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ويفتح فم المولود، ثم يدلك
حنكه بها بعد ولادته أو قريباً من ذلك بوضع شيء من هذه التمرة على الإصبع وتحرك يميناً
وشمالاً ).
ولعل الحكمة والله أعلم في ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك
والفكين، وتسهيل عملية خروج الأسنان حتى لا يشق على الطفل.
ومن الأفضل أن يقوم به من يتصف بالتقوى والصلاح تبركاً وتيمناً بصلاح
المولود وتقواه، ويدعى له بالبركة كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى
قال: ( ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه
وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة صلى الله عليه وسلم ) زاد البخاري: ( ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى ).
3- رضاعته من ثدي أمه: وهي حق من الحقوق الشرعية للطفل وهو مُلقى
على عاتق الأم وواجب عليها؛ لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حوليين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة:233].
وإذا تم للرضيع حولان؛ فقد أتم الرضاعة وصار اللبن بعد ذلك بمنزلة سائر
الأغذية، فلهذا كان الرضاع بعد الحولين غير معتبر فلا يحرم كما ذكر ذلك الشيخ عبدالرحمن
السعدي في تفسيره الآية.
وللرضاعة من ثدي الأم فوائد كثيرة جسمية ونفسية على المولود، ولكي تنال
الأم حقها كاملاً، بحسن الصحبة كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم عندما سُئل
من أحق الناس بحسن صحبتي قال: ( أمك، ثم أمك، ثم أمك )
فتكون الأم قد حملت وولدت وأرضعت.
4- تسمية المولود بالإسم الحسن: والأسماء كثيرة لكن المطلوب ذلك الإسم الذي
تتعبد الله عز وجل وتتقرب إليه به، وهو من حق الأب في حال الاختلاف، فيسميه أبوه وقد
ورد تسميته في اليوم الأول أو السابع ويجوز قبل ذلك وبينهما وبعد ذلك والوقت فيه سعة
ولله الحمد؛ ففي الحديث: ( كل غلام رهينة بعقيقته تذبح
عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه ) [رواه أحمد].
ويسمى المولود بأحب الأسماء إلى الله ( عبدالله وعبدالرحمن ) لحديث: ( إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل: عبدالله وعبدالرحمن ) [رواه
مسلم].
ويتجنب الأسماء القبيحة والمحرمة والمكروهة شرعاً. ولإشعار الطفل بالمسؤولية
وبأنه كبير ولتزداد ثقته بنفسه شرعت تكنيته ( يلقب بأبي فلان )؛ لحديث النبي صلى
الله عليه وسلم : (يا أبا عمير ما فعل النغير ) كما
أنها تبعده عن الألقاب السيئة.
5- حلق رأس المولود: وهو من الآداب المشروعة للوليد لقوله
صلى الله عليه وسلم : ( مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه
دماً، وأميطوا عنه الأذى ) [رواه البخاري].
وإماطة الأذى هي حلق الرأس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمه رضي
الله عنها عندما ولدت الحسن: (احلقي رأسه، وتصدقي بوزن
شعره فضة على المساكين ) [رواه أحمد].
واختلف هل الحلق للذكر والأنثى أم لهما معاً؟ على قولين، والصواب أن الحلق
يشمل الذكر والأنثى لما روى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ( وزنت فاطمة رضي الله عنها شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت
بزنة ذلك فضة ).
6- العقيقة: ومما شرع للمولود أيضاً العقيقة وهي سنة
مؤكدة، ولهذا أحب الإمام أحمد أن يستقرض الإنسان لها، وقال إنه أحيا سنة وأرجو أن يخلف
الله عليه.
وهي عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة قال صلى الله عليه وسلم : (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ) [رواه أحمد].
تذبح يوم السابع من ولادته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح يوم سابعه ويسمى ) [أخرجه
الترمذي].
قال ابن القيم: ( إن التقيد بذلك استحباب
وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده أجزأت ). وله أن
يأكل ويتصدق ويهدي من العقيقة ويكره كسر عظمها.
7- الختان: وقد ورد فيه أحاديث كثيرة منها حديث أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ( الفطرة خمس... وذكر منها الختان ) والأفضل
في حق الولي أن يقوم بعملية الختان في الأيام الأولى من الولادة. ووقت الاستحباب اليوم
السابع ويجوز قبله وبعده إلى البلوغ؛ فإذا قرب وقت البلوغ؛ دخل وقت الوجوب، وللختان
حِكم دينية عظيمة وفوائد صحية؛ فهو رأس الفطرة، وشعار الإسلام وهو يميز المسلم عن غيره
من أتباع الديانات والملل الأخرى، وهو يجلب النظافة، ويعدل الشهوة، ويقي صاحبه الأمراض
بإذن الله.
8- النفقة: ومما جاءت به الشريعة وأوجبته في حق المولود
على الوالد النفقة عليه حتى يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى قال صلى الله عليه وسلم: ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار على عياله ) [رواه مسلم].
9- معانقتهم وملاعبتهم: من الحقوق التي أوجبها الإسلام للأطفال
معانقتهم وتقبيلهم وملاعبتهم فقد قبّل النبي
الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع: ( إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً )، فنظر إليه
رسول الله فقال: {
من لا يرحم لا يُرحم } [رواه البخاري].
وفيه أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: ( تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم )
فقال النبي : { أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة
} ).
كما لا يجوز الدعاء على الولد ولا لعنه ولا سبه قال صلى الله عليه
وسلم : { لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم،
وإذا استجنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء
فخلوهم } [رواه البخاري].
10-تعويذهم: في صحيح البخاري عن عبدالله بن عباس رضي
الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما
ويقول: { إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق: ( أعيذكما
بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) } [رواه البخاري].
الخاتمة:
أيها الآباء... إن تربية الأولاد أمانة ومسؤولية لابد من القيام بها فكم
ضيع الأمانة اليوم من المسلمين! ! أضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم
كباراً - عاتب أحد الآباء ولده العاق فقال الولد: ( يا
أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً، والجزاء من جنس
العمل ).
أسأل الله أن يصلح لنا ولكم الذرية وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر /
منيره حامد صخيري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق